(١٣) بلاء.. صبرٌ.. حبّ

3 0 0
                                    

﷽..

أريد مغزىً لحياتي..

هذا ما أرّقني لبقيّة اللّيلةِ..

أعني، من الواضح أنّني أعملُ على مستوى همّـتي البسيطة لجعل آخرتي أفضل من دنيايَ، لكنّني طمّاعٌ بما فيه الكفايةِ لأتخيّل نفسي أترك أثرًا ما.. "أعلم أنّه لن يحدث".

بغضّ النّظر عمّا إذا كان السّرطان سيقتلني أم لا فقد فتحَ عينيّ على هذا الأمر بالفعل..
ماذا يمكن لشابٍّ بائسٍ مثلي أن يفعل؟! أنا لا يمكنني أن أساعد نفسي حتى أساعد الناس أو أغيّر شيئًا لديهم، هذا سيّءٌ، سيّءٌ ومؤسفٌ..

حين أفقدُ حياتي، حين يصل عدّاد الوقتُ المتبقّي إلى صفرٍ، حين تخرج روحي من جسدي إلى السّماء، أريد أن أكون قد تركتُ شيئًا ما في هذه الدنيا..

هل الأمر مبتذلٌ وسخيفٌ؟ ربّما تظنّ أنت ذلك، لكنّني لا أظنُّه..

تنهّدتُ حين سمعتُ أذان الفجر، كانت ليلةً حافلةً بآلامِ الصّدر ونوباتِ السّعال والأفكار المؤرّقة التي تشبه حلقاتٍ ودوائر بلا نهاية..

نهضتُ ببطءٍ، توضّأتُ وارتديتُ بعض الثيابِ ونزلتُ كعادتي منذ أسبوعٍ..

أسبوعٌ، فترةٌ زمنيّةٌ تجعلني أشعرُ بالإنجاز حقًا..

هبطتُ سلالم المنزل، وخرجتُ إلى الشّارع المُعتم، أخذتُ نفَسًا ضخمًا رغم وصوله شحيحًا إلى رئتيّ، ومشيتُ بابتسامةٍ وأنا أضعُ يديّ في جيوبي، كانت من لحظاتِ السّلام التي أعيشها دومًا في الطّريق إلى المسجدِ..

وصلتُ، وسمعتُ الأذان يبدأ مجدّدًا.. ماذا؟ بالطبع، كان ذاك الأذان الأوّل، أحبُّ غبائي المفاجئ هذا، أحبُّه حقًا، يتعيّن عليّ الآن انتظار ما يقاربُ نصف ساعةٍ في المسجد..

وصلتُ فكان المكان ساكنًا بشكلٍ طبع ابتسامةً على وجهي، دخلتُ بهدوءٍ وانتحيتُ زاويةً قصيّةً، ضممتُ ركبتيّ إلى صدري وجلستُ في سكونٍ..

كان إمام المسجد موجودًا أيضًا، هل يأتي دومًا في وقتٍ مبكّرٍ؟ لا أعلم، ولستُ في حاجةٍ لأنْ أعلمَ..

سلّم وقد كان يصلّي شيئًا ما، وجلس في مكانه، بينما بقيتُ في حالتي المتجمّدة، لولا السّعال العزيز الذي داهمني مجدّدًا، ممّا جعله يتلفتُ وينهضُ ناحيتي ببعضٍ من القلق..

ألقى السلام وجلس بجواري، لا أنكر أنّني أحبُّ قربَه لسببٍ ما..

-أنت تسعلُ دومًا، هل أنتَ بخيرٍ؟!
شفتيّ لوحدهما تتقوّسانِ في ابتسامةٍ، هززتُ كتفيّ وهمستُ بصوتيَ المبحوح:

-أجل أنا بخيرٍ..

أردتُ أن أكمل عبارتي وأشكره على اهتمامه إلا أنّني استأنفتُ السّعال رغمًا عنّي، غطيتٌ فمي بكفّي بحرجٍ.. السّعال أمام الناس محرجٌ، صحيحٌ..؟

سنًا للغيومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن