☀️ ثلج الصيف | Summer Snow ☀️

96 10 0
                                    

•| سرت صوب المشرق ولم ادرِ أنك بالمغرب قد تتواجد |•

___________________



°في الثاني عشر من يوليو عام خمسين (1950/07/12)°

استيقظت هيناتا على هبوب الريح الشديدة التي لطمت وجهها توقظها من نومها الذي لم تحظى به هنيئا لأيام ولم يكن حتى هذه المرة

طوال أسبوعين كاملين قابلها مشهد واحد ووحيد البحر من كل حدب وصوب والأمد يبدو انه لن ينتهى لا كائن حي جوف هذه المياه أطل ليجعلهم وجبته حتى ولا اي مخلوق طائر أعلى زرقة المحيط وكأن العالم خلا إلا من أصحاب القاربمسافرين هم مهاجرين فوق لوح هزيل يقوده سيل البحر لحيث يريد

حانت منها التفاتة لوالدتها فتأملت ملامحها المنهكة ووجهها الشارد الناظر فقط للأفق البعيد للانهاية حولهما، اشتد هبوب الرياح فاهتز القارب له واستمسك أصحابه يستنجدون الأمل ويدعون الإله ان يرأف عليهم لا حيلة لديهم سوى التمني والرجاء

اخذت والدتها بيد ابنتها تشدها إليها تركن إليها نفسها علهما يجدان ضالتهما ببعضهما البعض، صدرت كحات متتالية من والدتها فأشفقت على حالها وحاولت تدفئة يداها الباردة

في خضم ترنح القارب بهم كثمل عاد من جولة شربه علا صوت صراع بمقدمة القارب

"منذ أسبوعين ونحن على هذه الحالة ألن نصل؟ هل ضعنا وسط هذا البحر؟"

"إهدئ يا هذا كلنا في هذا الموقف معا"

"كيف أفعل ونحن تهنا بالبحر وسنلقى حتفنا الآن دون شك حتى أن مؤننا انتهت وأهلكنا الجوع والتعب!"

لمحت هيناتا احدهم يقف ليوازي الساخط ويهدئه أو يجلسه لكن الآخر دفعه فسبب سقوطه واهتزاز القاربصرخت الإناث بخوف وبكى الأطفال ثم علا صوت الرجال منهم ناهرا إياهم والآخرون يؤيدون الساخط على حالته

ولسوء الحظ انقسم راكبوا القارب لطائفتين وبدأ النزاع وأكل الألم والتعب أرواحهم فمنهم من جن فعلا وكانت هذه اللحظة الوقود له

اهتز القارب بعنف كعنف راكبيه على بعضهم وبدأ الصراع بينهم والجدال الذي طال إلى الضرب بأيديهموقفت والدتها والسعال أخذ منها طاقتها وجهها شاحب وعيناها غائرتين ذابلتين فاستقامت هيناتا لكن الجموع نالوا منهما وفرقوهما عن امساك ايدي بعضهما

قررت الذهاب لوالدتها واسنادها لكن التدافع بدأ فترنحت وسقطت مجلسها وتزامن هذا مع سماع صوت ارتطام المياه

"سقط أحدهم!!"
صاح شاب فخيم الصمت وثبت القارب من الاهتزاز

رفعت هيناتا رأسها باحثة عن والدتها لكنها لم تلمحها فسارعت لموقعها حينما ترامت لها مسامع الهامسين بخفوة عنها
"أهي والدتها؟"
"يا إلاهي سقطت تلك المرأة"

الكلمات تخترق سمعها لكنها جاهلة بمعانيها
"أمك يا فتاة!!"

اتسعت حدقتيها وشعرت بمالح يجري على وجنتيها بأحلك الأيام وأسوئها لن تتمنى سوى صدر والدتها الذي يحمل عنها جزء من عناء الحياة المقرفة

اطلت من حافة القارب فطفى غطاء رأس والدتها سطحا يثبت لها الحقائق الكريهة فهل يحبها البحر بتركها هي حية او يشمت منها بأخذ روحها عنوة منها وبأبشع طريقة قد يصادفها المرء

"هذا لا يمكن... أ...مي؟ أمي!!!"

صرخت رامية بنفسها لتلحقها لكن ذراعا انتشلتها توقفها فتخبطت وصرخت أوالج حبالها تنهر ممسكها وتتوسل تركها ترجوه انهاء حياتها لا تريد عذابا أكبر من رؤيتها لمنظر اسود قاتم

"أحلفك بالله ان تتركني ألحقها، أنقذوا روحي وإرأفوا بحالي واقتلوني او لا تأخذوها عني... اه يا أمي يا حياتي سلبوك مني وتركوني في غياهب مظلم وحيدة عالم خسئ"

ران صمت مهيب واتخذ الكل مكانه مبتلعا لسانه سليطا كان او ميت الضمير

وبعد ساعات اطلت اليابسة تحيهم من بعيد فهللوا بالفرح والسرور وافرجت اساريرهم عن ابتسامات سعيدة كان ثمنها حياة بريئة لكن هيناتا لم تبدي اي ردة فعل هدفهما كان الوصول لمسقط رأس والدتها و الذي لا تملك منه اي اقارب قد يساندونها الوصول 'معا' التي اختفت فجأة تماما كحال والدتهالم تضمها اخر مرة

لم تخبرها انها تحبها ولم تقبلها كما اعتادت لم تمسك يدها ولم تفلح بإرسال الدفء لهما وها قد برد قلبها بعز صيف أثلج بين طيات ضلعها

سرقك البحر مني وقذفني لليابس وحيدة أأشكرك لإيصالي ام انهرك لتفريطك بجزء مني لم أحبك ولست اكرهك فأنا المقتحم المتطفل هنا

بظلمات الليل رافقها القمر بطلته على سواد قاتم كرقعة املها الذي لن تصل له مطلقا سارت حافية القدمين تتبع سير اصحاب القارب بعد وطئهم لحدود يابسة اليابان متوغلين بأرضها باسم لهم كان "لاجئون" لكنها ما اعتادت اللجوء لغير أمها وما اعتادت رمي كرامتها بين الناس

علمتها والدتها التمسك بما لها علمتها مبادئ الإنسانية وأوصتها عدم التخلي عنها في طريق قد يجعل الأسد أرنبا
وكما علمتها والدتها القوة علمها والدها التسامح والعفو وحب الخير لكل الناس علمها رد الجميل والوقوف جانب المظلوم والوحيد والتحلي بثقة الخاطر والاعتزاز بالنفس مهما تواضعت هذه الأنفس

بطلوع الشمس كان أصحاب القارب بيدي العساكر اليابانيين ورغم إحسانهم لهم إلا أن البؤس يستولي على دواخلهم خاصة تلك الفتاة التي بدأت شبابها بالتضحية والفقدان

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
~~~~~~~~~~~~~~

يتبع....

|December Sun|. JK. JMWhere stories live. Discover now