ذكريات، ليس الموت ما يقتل الإنسان، بل الذّكريات؛ الإنسان الّذي يعيش كفايةً ليحمل عبء الحياة يموت بوقت طويل قبل أن يتوقّف قلبه. لطالما أرعبني الموت، تلك اللحظات الأخيرة الّتي تبحث جاهدا فيها عن نفسٍ واحدٍ ولكنّك لا تقدر عليه، تبدأ أعضاؤك بالفشل الواحد تلو الآخر إلى أن يتوقّف جسدك عن العمل نهائيا ويخيّم الظّلام، تلك اللحظة الّتي تدرك فيها أنّك على مشارف النّهاية ولا تدري ما المصير، إمّا الجنة وإمّا النّار، تلك اللحظة الأخيرة قبل فقدانك لحاسة السّمع، تسمع فيها أصوات السّيارات، والنّاس، وكلّ ما حولك، وهناك تدرك أنّ الحياة لا تتوقّف لأحد، تدرك أنّك سُرعان ما ستُنسى، ولن تبقى حتّى مجرّد ذكرى، وكلّ ما ستحسّ به هو الخوف لأنّك كنت تعيش في غفلة، وكلّ ما ستشعر به هو الوحدة.
- حسنا..أنا خارج، حاولا أن لا تهدما المنزل إلى حين عودتي - قلت هذا وأنا أربط فردة حذائي الأيسر أمام الباب -
- إلى أين؟- سألني أبي من غرفته -
- كنت أفكّر في أن أذهب لأرى بعض الحسناوات، هل تأتي معي؟
- طبعًا..طبعًا، وهل كنت ستتركني هنا!؟ دعني أرتدي ملابسي -أجابني بنبرة عالية قليلا ليتأكّد من سماع أمّي لجوابه -
- آدم!!!- صرخت أمّي وهي تخطو نحونا من المطبخ بخطوات ثقيلة وأكملت:-
- أنت طريح الفراش وتفكّر في النّساء!!
- هذا لأنّني لم أكن يوما مع واحدة!
- وماذا أكون أنا؟
- وحش الغابة؟ غول؟ كابوس؟
توجّهت أمّي ناحية السّرير حاملةً ملعقةَ الطّبخ فوق رأسها، فأمسكتُها بسرعة وطبعت على جبينها قبلة وقلت لها:
- أنا أعزب، ولست طريح الفراش، فهل يمكنني أن أفكّر في النّساء؟
- هل تريد الزّواج؟
- ومن لا يريد؟"أجبتها"
- أنا -أجاب أبي، رغم أنّ أمّي عبست في وجهه وهدّدته بالملعقة إلّا أنّني ضحكت، لم أستطع كتمها -
YOU ARE READING
كل شيء بقدر
Mystery / Thrillerرواية كلّ شيء بقدر هي رواية اجتماعية بطابع ديني جميل وهادئ، تتحدث عموما عن الحياة بمنظور شابّ وشابّة. الشّاب بعد تخرّجه يبحث عن عمل، ثمّ فجأة يخسر أعز ما يملك وسبب عيشه، فيهزّ رحاله ويهرب من منزله إلى المجهول تاركا خلفه ذكريات وأحداث أخرى ستكتشفونها...