الفصل التاسع

1.4K 80 4
                                    

تركتهم كعائلة أمام شاطئ البحر واختفيتُ وراء الصّخور أفكّرُ في عائلتي الخاصة؛ تركتهم براحتهم لنزع النّقاب، هنّ بشرٌ أيضا، هنّ أيضا يحببن البحر ويحببن شعور ملامسة الماء لبشرتهن، هنّ أيضا لديهن هموم ومشاكلٌ ومآسي وحياة يحاولن نسيانها

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

تركتهم كعائلة أمام شاطئ البحر واختفيتُ وراء الصّخور أفكّرُ في عائلتي الخاصة؛ تركتهم براحتهم لنزع النّقاب، هنّ بشرٌ أيضا، هنّ أيضا يحببن البحر ويحببن شعور ملامسة الماء لبشرتهن، هنّ أيضا لديهن هموم ومشاكلٌ ومآسي وحياة يحاولن نسيانها..فلم يحق للعاصين الاستمتاع بالبحر والبحر ملك لله، على عباده الّذين اختاروا قربه؟!

كنت أفكر بعائلتي تارة، وتارة أستيقظ من تفكيري على صوت قدر وهي تستمتع فابتسم؛ لم أذهب للبحر يوما مع عائلتي، ولو فعلت، لما ذهبت صباحا وذهبت ليلا؛ الأمر ليس سيان، ليس هناك ضجيج أو عائلات أخرى أو أيّ بشر غيرنا؛ كانت اللحظة تقتصر علينا فقط، لا عيون تراقبنا..لا قلق..لا ازدحام، والأفضل من كل هذا، كان هناك شعور لا يوصف، فبين تلامس البحر مع السّماء، والقمر يضيء كليهما، تجدُ نفسك تشعر بالطمأنينة والسّعادة، النشوة والفرح كأنّنا في مكان يتوقف فيه الزّمان وتختفي فيه الأحزان، يأخذها الموج بعيدا، كأنّني قريب من الله..ومن بقربه يحزن؟

أحسست بالسّعادة، بل وأكثر، أحسست بسعادة والداي وابتسمت، حتّى إنّي ذرفت بعض الدموع عندما تذكرت كيف مات كلاهما في وقت واحد..فإن كانت هذه دعوة صغيرة استجابها الله لأمّي، فكيف دعواها بالجنة لكليهما؟ آملا أن كان لي في دعوتها نصيب.

تركتهن كلّ الليل هكذا؛ أتاني عبد الله ليؤنس وحدتي. لم يحيّيني، بل ضحك وقال: "لقد خسرت". لم أفهم قصده ولم أسأل لأنّني كنتُ مشغولا بإخفاء دموعي؛ كنّا نتجول على مقربة منهن لكن دون أن نراهن، وهو يكتفي بأخذ نظرة خاطفة كلّ ما سنحت له الفرصة ليطمئن عليهن؛ لم نتحدث كثيرا، بل كنّا كأنّنا صبية، نختار الأحجار الجميلة ونقارنها ثمّ نرميها في البحر لنرى من منّا يستطيع رميها أبعد، ومع أنَّ الجو بارد لدرجة لا تحتمل، إلّا أنَّ عبد الله عرض عليَّ تعليمي السباحة، وأنا وافقت.

كان الأمر محرجا للغاية وهو لم يتهاون ولو للحظة في الضّحك على أخطائي، لا داعي لقول المزيد، فلنقل أنّني كنت مسرورا لسروره، وسعيدا لتضحيته بوقته مع عائلته في هذه اللحظات النّادرة لأجل البقاء معي.

بعد أن شربتُ الكثير من المياه المالحة، لا أدري غصبا أم طوعا، وبعد أن استمتعنا بشروق الشّمس، أكملنا الطريق؛ نام الجميع في السّيارة واضطررنا لتغطية النوافذ بالملابس لمنع ضوء الشّمس من الدّخول؛ قدر لم تنم بسبب الحماسة الّتي شعرت بها ليلا، فوضعت لها القرآن حتّى نامت. كانت قد انتقلت إلى المقعد الأوسط، واضعةً رأسها على فخذ أمّها ورجليها على فخذ جدّتها..كانت تبدو كحيوان باندا ظريف بنقابه الأسود وكل ما يظهر من بشرتها البيضاء.

كل شيء بقدرWhere stories live. Discover now