الفصل الثّاني

2.4K 100 21
                                    

لم تكن صعبة عليّ الوحدة بقدر ما كان صعبا عليّ أن أكون وسط أناسٍ لم يشعروني بغير الكره من غير سبب، كلّما أخرج من منزلي أواجه نظرات الحقد، الشّتائم، الشّجار، أذكر كيف كنت أُدَرّس كلّ واحد منهم في صغرهم

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

لم تكن صعبة عليّ الوحدة بقدر ما كان صعبا عليّ أن أكون وسط أناسٍ لم يشعروني بغير الكره من غير سبب، كلّما أخرج من منزلي أواجه نظرات الحقد، الشّتائم، الشّجار، أذكر كيف كنت أُدَرّس كلّ واحد منهم في صغرهم. كيف كان آباؤهم يطرقون عليّ الباب في أنصاف الليالي طالبين منّي أن أساعدهم في امتحانٍ أو واجبٍ أو شرح، وبابي كان مفتوحا دوما لهم، والآن، لا هم ولا آبائهم يطيقونني، لا تفهموني خطأ، أنا لا أندم على مساعدتهم، ولا أتفاخر بها أيضا، ولكن الأمر فقط..مؤلم.

"سراج الدين، إلى أين أنت ذاهب في هذا الحر؟"

سألني جاري "عبد الغني"، هو شيخ كبير متشرّد في حيّنا، مثله مثلي، الجميع يكرهه ولا أحد يحيّيه أو يردّ عليه التّحية، إلّا أنّ وراء كُرههم له قصّة، فهو كان سكّيرا مُقامرا، في مرحلة ما، خسر كلّ شيء، من وظيفته ومنزله إلى عائلته، زوجته، رغم كبر سنّها، ذهبت إلى بيت أختها لتبقى معها، وأبناؤه تفرّقوا كلّ واحد منهم في جهة، لم يسمع عنهم خبرًا منذ سنين ولكنّه دوما يحكي لي عنهم وعن قصص طفولتهم، كان واضحا أنّه يشتاق إليهم، أخبرني أنّه قد أقلع عن الخمر والقمار، ويبدو أنّني الوحيد الّذي أصدّقه.

- كالعادة عمّي عبد الغني، أبحث عن عمل. - أجبته بابتسامة -

- لقد بحثتَ في المدينة بأسرها، ألم تتعب بعد؟

- أفضل من البقاء داخل المنزل

- تعال وأعِدْ صينيّة الفطور للمنزل وأشكر أمّك بدلا عنّي

- دعها عمّي عبد الغني، سآخذها لاحقا مع صينيّة الغداء عندما أحضر لك العشاء الليلة.

- حسنا ابني، انتبه على نفسك وابق بعيدا عن الحر

منزلنا واسع، لكنّه غير مفصّل، بحيث أنا نفسي أنام في الرّواق، ولو كان لنا غرفٌ إضافيّة لأسكنّاه معنا، بدل ذلك، تكفّلنا بأكله وملابسه وفراشه، كان محقّا، لقد بحثت في المدينة كلّها عن عمل ولم أجد، ولقد تعبت. كان أملي الوحيد هو البحث عن عملٍ خارج المدينة ولكنّني لا أستطيع ترك والدايَ لوحدهما، منذ ثلاثة أشهر وجدت نشرة إعلانيّة رمتها الرّياح في وجهي عن تكوينٍ مهنيٍ في صالة بناء الأجسام. بما أنّني نحيف وكنت سأدخل للصالة على أيّة حال، انضممت للتّكوين على أمل أن أحصل على عمل وفرصة للتدريب كذلك، أن أضرب عصفورين بحجر واحد. واليوم هو يوم استلامي للشّهادة. لم يكن أمرا يستحق الفخر أو السّعادة، ولكنّه أفضل شيء حقّقته بعد تخرّجي من الجامعة، كما أنّه منحني شعورا مزيّفا بأنّني نوعا ما أفعل شيئا بحياتي لمدّة ثلاثة أشهر، ولقد أعجبني ذلك الشعور.

كل شيء بقدرWhere stories live. Discover now