الفصل الثامن

1.5K 77 4
                                    

تلقّيتُ يومَ عطلةٍ لأُوصل زوجةَ عبد الله وابنته وقدر لأحد الأطبّاء في المدينة؛ كانت رحلة الذّهاب هادئة، فقدر نامت في حضن أمّها وكذلك فعلت زوجة عمّي، في طريق العودة توقَّفتُ أمام محلٍّ للمثلّجات وسألتهنَّ إن كنَّ يحتجن شيئا

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تلقّيتُ يومَ عطلةٍ لأُوصل زوجةَ عبد الله وابنته وقدر لأحد الأطبّاء في المدينة؛ كانت رحلة الذّهاب هادئة، فقدر نامت في حضن أمّها وكذلك فعلت زوجة عمّي، في طريق العودة توقَّفتُ أمام محلٍّ للمثلّجات وسألتهنَّ إن كنَّ يحتجن شيئا.

- مثلّجات -أجابت زوجة عمّي-

- نعم، مثلّجات -أجابت ابنته بحياء وصوت جدّ خافت وساحر-

- قطّة.-أجابت قدر-

بعد لحظة صمتٍ عمّت على كلّ من كان في السّيّارة، أكملت جوابها:

- ومثلّجات.

وضعتْ أمّها يدها على فمها لتكتم ضحكتها، أنا من ناحية أخرى، لم أستطع أن أكتم شيئا، بينما قدر لم يطرف لها جفن، كانت جادّة تماما؛ انطلقنا من جديد بعد أن اشترينا كميّة هائلة من المثلّجات. حزِنتْ قدر لعدم قدرتنا على حفظ المثلّجات جامدةً لتأخذ منها لجدّها. توقَّفتُ بجنب إحدى الطّرقات الفارغة المخضرَّة بالحشيش رغم الصّيف الحار وجلستُ على إحدى الصّخور، وتركتهن في السّيارة لكي يرفعن النّقاب ويستمتِعنَ بالمثلجات براحتهن، لكن قدر أتت بجنبي وأحضرت لي بعض المثلجات في كأسها البنفسجي المفضّل التي تشرب فيه المياه وتأخذه إلى كلّ مكان؛ رفعتْ نقابها على وجهها عندما تأكّدت أنَّ لا أحد بالجوار وبدأت تأكل معي تارة، وتقفز بين الصّخور تارة أخرى، كانت سعيدة، وكنت أنا سعيدا لسعادتها، كانت في حريّة، بكلّ قامتها ونقابها المتدلّي، كانت أجمل كائن صغير، وعيونها الزرقاء مثل عيون أمّها. لا عمّي ولا زوجته ملكا مثل تلك العيون. كانت عائلةً غامضة تخفي الكثير. كانت عائلة غريبة..لكنَّ الغرابة أجمل.

نسيتُ الوقت، نسيتُ العالم، لم أعد أسمع ولا أرى شيئا سواها، تقفزُ أمامي في سعادة، فالسّعادة لا تحتاج مالا ولا لباسا عار. نسيتُ نفسي حتّى تفاجأتُ بأمّها أناييس تسألني بصوت خافت متقطع كأنّها خائفة من سؤالي:

- أخي، هل تمانع إن بقينا هنا لبعض الوقت؟

- طبعا لا أختي

نهضتُ وعدتُ للسيارة مع زوجةِ عمّي نراقبهما من بعيد، الأمّ وابنتها يدًا بيد، تقفزان بين الصّخور ومن يلمس الأرض يخسر، يشمّان الزّهور الصّيفية ويستلقيان على الحشيش الأخضر يُشيران للغيوم ويعطيانهم أشكالا..لا أدري كم عمر أناييس، لكن لابدّ أنَّ قدر تُعيد لها صباها مثلما تُعيد لي براءتي وطفولتي.

كل شيء بقدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن