٤٠ | خيانات مزدوجة |

4.2K 582 1.2K
                                    

أنت لن تفر أبدا مما صنعته بيديك، سوف تظن في البداية أنك حر وتحلق في سماءٍ صافية بين الغيوم، سوف تظن أنك جزءٌ لا يتجزأ من سِرب الطيور المُهاجرة نحو الدفء والأمان ولكن ما إن تفتح عينيك جيدا سوف تكتشف أن ريشك مبلل بالمياه الموحلة التي تسبح وسطها وتغرق بسببها للأسفل، حيث الاختناق المحتوم.

عندي أنا، أجنحتي لم تُخلق لتحلق، بل هي أثقالٌ صُنعت خصيصا لدفني. أجنحتي أصفاد ودربي يقود نحو الأسفل، نحو ستة أقدامٍ للأسفل، نحو التهلكة. لربما تم بترُهما، لربما لا ريش لي.

الأمر لم يكن متعلقا بالغرق لوحده أو بالاختناق، إنما بالأيادي المدنسة التي تسحبك للخلف، بمخالِبها الحادة التي تجرح جلدك وتُسرب دمك الملوث للخارج فيتكون خليطٌ فريد من كل هذه الكوارث لوحة فنية موحشة أو مشهد سينمائي تراجيدي أو سيمفونية قيامتي.

تلك الأيادي، تلك. من ملمسها الخشن ومن الأنين الذي يتسرب معها وسط الفقاعات التي تنفجر عند أُذنيّ أدركتُ أنها لضَحاياي.

وعلى غرار الماضي ظننتُ أن يدايَ ملطخة بدمائهم ثم تبين مع الوقت أنه نزيفِي أنا لا هم لأن الوقت حان لسفك دمائي أنا لا هم، فأنا هنا مصاص الدماء الذي يتغذى على نفسه والذي قادته أفعاله للوقوف وسط أشعة الشمس من أجل الاحتراق العظيم.

وكنتُ أعلم أن الوقوف عند المذبح والاعتراف بذنوبي لن ينجيني، التشبثُ بالقساوة وبكاء دموعٍ من دمٍ لن يفيدني.

أنا سامة.
ما نفع تأكيد الحقائق؟

أنا مذنبة.
ما نفع الاعتراف؟

أنا المعاناة.
المعذبون في الأرض الذين قرروا سحب معهم كل من اعترض طريقهم نحو الأسفل.

أنا عُنف اتخذ ثوب الطهارة وغلف نفسه بالفتن الحلوة.
ولم يكن مذاقي حلوًا بل حامضًا ومُرًا، ولم يكن جمالي عناقًا بل مشنقةً.

أنا مجرد طفلة ضائعة قررت أن تكون نصلاً، مقصلةً فتجرح قبل أن تُجرح وسط أرض المعركة التي أبصرت فوقها الكُل يرتدي أقنعةً، ويوجه نحوها سلاحًا.

هذه مشكلة المضطربين نفسيًا وعقليًا، نحن لا نثق بأحد وكل المشاهد من زاويتنا مشوهة حيث الابتسامة البريئة هي تكشيرة مفترس، ومد يد المساعدة هي توجيه لكمة مؤذية، والكلمات صمتُ موجع، والصمتُ هلاوس مرعبة. وملجأنا جحيم مُستتر، نرمي ثقتنا داخل أوكار الثعالب وغيران الأفاعي. طرقنا متضاربة ومتقاطعة مع كوابيسنا، وكل تقدمٍ هو وهمٌ يُجسد واقع التأخر. لذلك يبقى لنا خيار الموت خوفًا أو أن نكون بأنفسنا موتًا.

كاراميل Where stories live. Discover now