٤٥ | الوحش |

11K 685 1.3K
                                    

عيناي لا تزالان تركزان على عينيهِ رغم تلك المسافة القريبة التي سببت لي الصداع، وكلانا لم نرمش ولم نتحدث. هو يتحداني أكثر وأكثر مع كل نفسٍ مُتسرب منا ومُختلطٍ بالخاص بي خصيصًا.

لا أريد التورط في متاهاتٍ أعمق، أخذتُ نفسا عميقا أبتلع معه رجفتي الخفيفة وعاودتُ مراقبته عن كثبٍ دون القيام بأي رد فعل.

آرثر لم يبدو وكأنه يرغب في كسر هذه المسافة المنعدمة ولكنه أيضا لم يتمادى أكثر من هذه، وكُنت أعلم.. صوتٌ داخلي يُخبرني رغم أن اضطرابي يُعارضه بشدة لدرجة رغبتي في تقيء فزعي العارم عليه.

«آرثر.» ناديته بخفةٍ لا أكسر تواصلنا البصري خلالها وقد تحسستُ جلد إبهامه الخشن أكثر بسبب حركة شفتي. أخرجتُ تزفيرة مرتعشة لأنني كُنت وهنةً من الصراع الذي لن ينتهي، هو عليه أن يستسلم وأنا بحاجة إلى أخذ مساحتي والتفكير في حياتي وتحديد قراراتي.

«تعلمُ أني لن أتراجع.» رميتُ جملتي بثباتٍ يزيده تصلبًا ورغم أنه عنيد ولكنه يرتخي ويلين مع الوقت ولربما عليه أن يقلدني هنا، لقد أوقفتُ المقاومة الحادة التي لن تزيد الوضع إلا تعقيد.

أضفتُ متوسلة. «أرجوك!» ولم أقاوم أو أصرُخ، أظني فعلتها كثيرا ولما فيه الكفاية هذه الأيام، الآن بالكاد أمتلك طاقةً لاستيعاب حواري السابق مع إيليت ولقائي تلك المرأة الغريبة، زَيّنة.

استقام أخيرا واستمر في مراقبتي دون رمشٍ، يحافظ على تقطيبة حاجبيّه بينما يُغير وضعية يداهُ من على وجهي نحو فكي من الجانبين وبدا وكأنه يحاول سحقه رغم تحكمه في عدوانيته المكبوتة تلك والتي تلمع مثل الشُعلةٍ وسط مُقلتيه.

«سوف أترككِ ولكني في حاجة إلى إثباتٍ منكِ أنها مُجرد فاصلة وليست نقطة نهاية.» خاطبني بانفعالٍ مقموعٍ داخل صوته وقد شعرتُ بالرعشة الخفيفة التي تمتد منه نحوي، وطريقته تلك في النظر جانبي والاستمرار في مراقبة العدم غاضبًا كشفت لي عدم رغبته في الاعتراف بالهزيمة.

انحنى رأسي قليلا لليمين ولم أتحكم في رسم ابتسامة جانبية صغيرة رغم أنها ليست حزينة أو سعيدة بالمقابل.

كُنت أتمنى أن يُدرك من طريقتي في مراقبته أننا عند نقطة حيث الوعود لا تُقطع. نحن مرغمين على إزالة الجِلد الميت من أجل الحصول على لمعة جديدة مكان التعفن من الداخل للخارج.

رفعتُ ذراعاي نحو رقبته وقمتُ بعقدهما بكل قوةٍ أمتلكها معانقةً إياه وقد قلدني ولكن عبر لف ذراعيه حول خصري وشدني نحوه إلى درجة ارتفاعي عاليا وعدم ملامسة قدماي الأرض.

لطالما كان آرثر أجنحتي، يرفعني، يهزني، يديرني في الهواء ويُمتعني بالحرية التي لم أتذوقها يوما. إنه فتى سيء مع المشاعر المنطوقة والتعابير الصريحة المعقدة وامتهانه للرقص يعني اختياره فهم لغة الأجساد بدل الأفواه. هل سيكون ماهرا كفاية ويحصلُ على جوابه غير المنطوق؟ الجواب الذي عجزتُ عن إيجاده داخلي مُفسَرًا ومفهُوما في جُملة مرتبة. أعلم أنني لن أتحول إلى كائن غريب كليًا وهناك بقايا داخل أرواحنا سترفضُ حتما الذهاب والاندثار هكذا فقط، لذلك يبقى السؤال هنا لو أنه فعلا لطخةٌ ستأبى الزوال رغم كل الألوان التي سوف تُضاف أم أنه وُجد داخلي حتى يزول؟

كاراميل Where stories live. Discover now